مؤخرا،ومن كثرة ما فاضت أحاديثنا اليومية بكلمات تمتح من قاموس بيولوجيا الميكروبات، أصبح تداول مصطلحات مثل المناعة و التلقيح و حمل الفيروس و درجة الإماتة و التعافي وغيرها من المفاهيم العلمية كلمات شبه عادية لكنها تبعث على احساس أكبر من الخوف، انها تثير ذلك الشعور المركب و الهدام :القلق الوجودي.
لكن، هل فكرنا مليا في أسباب هذا القلق؟ و هل اهتدينا ألا نرجع كل وساوس أنفسنا المستجدة و عذاباتنا الحمقاء لسبب عابر كوباء كورونا اذا ما اقتنعنا أن هذا الأمر الطارىء سيزول حتما ولو بعد حين؟ يعود قلقنا في تفاصيل حياتنا التي ملأتها التفاهات و الرغبات و الأوهام؛ يعود قلقنا لغياب مرجعية و سلطة أخلاقية كنا نجدها في الأسرة و المدرسة و التدين البريء واحترام الصغير للكبير و الأمي للعالم…؛ يعود قلقنا لزيف العلاقات، و صراع المصالح، و مصلحية الصداقات، ولموت الأنا الجمعي و سيطرة شعار “أنا و من بعدي الطوفان”، و للثقافة الانتهازية، و الأخطر من هذا و ذاك فقداننا للثقة في مؤسسات الدولة، وتخبطنا وضياع بوصلتنا لكثرة وسائل الإعلام و القنوات التلفزية. و تفاقم قلقنا عندما أصبحنا عاجزين عن ضبط أطفالنا و عن مجاراة مطالبهم، و انتحرنا طبقيا لإرضاء شركاءنا وابناءنا ولإشباع شعورنا بالاهمية و القيمة؛ يعود قلقنا لكثرة ديوننا و ازدياد أهمية الكماليات في حياتنا، ولأننا أصبحنا نستهلك كل الأشياء دون أن نصل إلى درجة الاشباع!! ماذا حصل لنا اذن؟ فرطنا في جهازنا المناعي المتمثل في قيم البساطة و التسامح و القناعة و الحب العفوي و الروح الجماعية، و قيم العدل و الصدق و الإخاء؛ فرطنا في مقاومتنا لكل الفتن والماديات المغرية. مناعتنا ضد البؤس و الأنانية المفرطة نكتبها عندما نؤثت أحاديثنا اليومية بمفردات الحب و التسامح و المشاركة و التعاون و الإخاء و العدل، فنتغير آنذاك نحو الأفضل.
Share the post "مــــــــــــــاذا تــــغـــيــر فــيــنا؟"